
كثيرًا ما زعمت الأنظمة الرجعية والمتواطئة أنّ الشعوب العربية تقف أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الأنظمة، على علاّتها، وإما أنظمة إسلامية. وكما أكدنا هنا، فإنه بالرغم مما آلت إليه الجولة الأولى في انتخابات الرئاسة المصرية الأسبوع الفائت من نتائج قد تبعث، للوهلة الأولى، على اليأس والإحباط، فإنّ بين ثنياها، في حقيقة الأمر، ما يدعو إلى التفاؤل!
فرغم أنّ المرشحين الذين ستجري بينهما الجولة الثانية، رجل النظام أحمد شفيق ومرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي، بعيدان كل البعد عن تمثيل ثورة 25 يناير، بأهدافها وروحها وقيمها التحريرية والتحرّرية، يجب أن نتذكر أنّ الاثنين حصلا معًا على أقل من 50% من أصوات المصريين. فيما حصل المرشحان الأقرب إلى الثورة والثوريين، حمدين صبّاحي وعبد المنعم أبو الفتوح، على نصف أصوات الشعب المصري، وذلك رغم حقيقة أنّ الثورة وصنّاعها ومرشّحيها واجهوا جهازي الدولة والإخوان، على ما يعنيه هذا من قدرات مالية وإعلامية وغيرها.
إنّ هذه الصورة تؤكد أنّ أمام مصر خيار ثالث، يمثله صباحي بالأساس وبدرجة ما أبو الفتوح، يحظى بتأييد أكبر من تأييد النظام القديم والإخوان. وتؤكد أنّ المعركة من أجل الديمقراطية لا تنفصل عن معركة العدالة الاجتماعية والسيادة والكرامة الوطنية، لأنّ الصوت الحر لا يكون حرًا إذ كان صاحبه جائعًا أو مهددًا. وتؤكد أنّ القضايا الحقيقية ليست تثبيت الأمن الذي زعزعه أركان النظام من باب الابتزاز، وليست معركة مفتعلة على هوية مصر الدينية، بل بالذات على القضايا التي غيّبها شفيق ومرسي: القضايا الاجتماعية الاقتصادية، والحقوق والحريات العامة والخاصة، وموقع مصر السياسي عالميًا وعربيًا وأفريقيًا.
لقد وضعت النتائجُ القوى الثورية في وضع لا تُحسد عليه؛ بين خيار تكريس النظام أو خيار إعادة إنتاجه، بتبعيته وطغيانه وجوره الطبقي، بواجهة إسلامية. ولكن شعب مصر العظيم، بطليعته الثورية وشارتها ميدان التحرير، قادرٌ على اجتراح الخيار الذي بدا مستحيلا قبل يناير 2011، بعيدًا عمّن من يحاول يطرح النظام كـ"أهون الشرّين" أو من يحاول تسويق خيار الإخوان مستعينًا بأموال الخليج.

0 التعليقات:
إرسال تعليق